[b][center]وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى(عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وانماكان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: «أن شخصاً من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضى إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه، ولمّا انتهى إليه جلس الى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين :
ـ كم غرمت في زرعك هذا ؟
- مائة دينار .
- كم ترجو أن تصيب منه ؟ .
- أنا لا أعلم الغيب ! !
- انما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟
- أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار .
فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك على حاله فتغير العمري، وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الامام، وتركه (عليه السلام) ومضى الى الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأى الإمام مقبلاً قام إليه تكريماً وانطلق يهتف:
(الله أعلم حيث يجعل رسالته) في من يشاء».
فبادر إليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت(عليه السلام) إلى أصحابه قائلا:
أيّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟»[7].
ومن آيات حلمه(عليه السلام) أنه اجتاز على جماعة من حسّاده وأعدائه، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها فمضى الرجل الى الإمام وتعلق بزمام بغلته فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له[8]. لقد أقام(عليه السلام) بذلك أسمى مثل للانسانية الفذّة والحلم الرفيع.
وكان(عليه السلام) يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الرفيعة ويأمرهم بالصفح عمن أساء إليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال:
«يا بُنيّ : إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروهاً ثم تحوّل الى اليسرى فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره»[