تعريف الإمام السجاد (عليه السلام) بالثورة الحسينية
النقطة الاولى:
إنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) قام بعمل سياسي ثوري عظيم بعد مقتل أبيه (عليه السلام)، ويمكن القول بأنَّه لولا هذا العمل، لكان من الممكن - والله أعلم - أن تضيع الكثير من الآثار والنتائج التي ترتبت على ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا العمل هو: التعريف بالثورة والنهضة.
إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) عندما قتل في كربلاء هو وأهل بيته وأصحابه، لم يبق هناك من يتحدث ويعرف بخلفيات نهضته وثورته وبمنطلقاتها الشرعية والدينية والإنسانية.
كما لم يبق من يعرف بتفاصيل ما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام)، إلاّ الإمام السجاد (عليه السلام) وزينب العقيلة (عليها السلام) التي قامت بدور عظيم في فترة الأسر; لأنّها فترة حساسة لم تكن فيها الظروف السياسية تسمح للإمام زين العابدين (عليه السلام) بأن يتصدى بشكل مباشر، فقد كان معرضاً للقتل من قبل عبيد الله بن زياد.
ولذلك تصدت زينب الكبرى (عليها السلام) للقيام بهذه المهمة إلى أن تبدل موقف يزيد، وإلاّ فالخطر كان قائماً وموجوداً، ولذلك فالخطابات التي كانت تصدر من أهل البيت (عليهم السلام) كانت تتصدى لها العقيلة زينب (عليها السلام)، ففي الكوفة تحدثت عدة مرات أو في الشام عند دخولها على يزيد.
أما عندما بدأ الموقف يتبدل ويأخذ جانباً من الانعطاف والتغيير، نجد أنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) يتصدى بنفسه لذلك فيخطب خطبته الرائعة في مجلس يزيد، الأمر الذي أدّى إلى إظهار يزيد للندم - ولو نفاقاً - وللتراجع عن موقفه وتغيير أسلوب تعامله مع أهل البيت (عليهم السلام).
فالإمام زين العابدين (عليه السلام) تصدّى إلى حركة سياسية واسعة غطَّت مختلف مناطق العالم الإسلامي، للتعريف بـ:
أولاً: خلفيات ومنطلقات هذه الثورة. وهذا هو الشيء المهم لإعطاء الثورة خلفيتها السياسية والشرعية ومنطلقاتها الدينية.
وثانيا: التعريف بتفاصيل المصائب والآلام والمحن التي مرَّت بأهل البيت (عليهم السلام)، وكذلك الجرائم والآثام التي ارتكبها آل أبي سفيان، الأمر الذي أوجد حساً عاماً يتفاعل مع القضية ويرتبط ويؤمن بها.
وهذا ما مهّد لأنْ تحصل مجموعة من الانتفاضات بعد استشهاد الحسين (عليه السلام)، فأهل الكوفة الذين قاتلوا الحسين (عليه السلام) تمكنوا ـ بعد فترة قصيرة ـ من إعادة الحياة إلى ضمائرهم فكانت ثورة التوابين، ثم توالت بعدها الثورات حتى أصبح الجو السياسي العام هو: مواجهة الأمويين.
ولولا هذا العمل العظيم الذي قام به الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تعريف الثورة، لاستطاع الأمويون - وهم أصحاب القدرة والسلطة والهيمنة على وسائل الإعلام والتبليغ، ويهيمنون على المساجد والمراكز والمدارس والحلقات العلمية و.... - أن يعتِّموا على هذه الثورة ويشوّهوا صورتها وخلفيتها، كما حاولوا أن يصوِّروا الحسين (عليه السلام) بأنّه خارجي شق عصا المسلمين وقُتل بسيف جده، وقد بذلوا غيرها من المحاولات لتشويه ثورة الإمام الحسين(عليه السلام).
ونحن نجد هذا الوضوح في التأريخ الإسلامي في إدانة يزيد والالتزام بخط الحسين (عليه السلام)، إنّما كان باعتبار موقف الإمام السجاد (عليه السلام) وعمله العظيم في الجانب السياسي.
الإعداد للانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)
النقطة الثانية:
إنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) خطط للانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) تخطيطاً سياسياً رائعاً في ظروف قاسية ظروف الإرهاب والقمع والمحاصرة السياسية وكتم الأنفاس وعدم إعطاء فرصة للإنسان بأن يقول كلمته.
وإذا أردنا الرجوع إلى التأريخ والتدقيق في حوادثه وفي التحركات السياسية في ذلك العصر، نجد أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان وراء حركة التوابين في تخطيطاتها وشعاراتها وفعّالياتها، ووراء المختار الثقفي أيضاً.
ولكن لا نعني بذلك أنَّ كل تفاصيل هذه الحركة كانت مرتبطة بالإمام السجاد (عليه السلام)، وإنّما شعار الانتقام من قتلة الحسين (عليه السلام) وأخذ الثأر لدمه، ثم مطاردة القتلة واحداً بعد آخر، وتصفية هذا الوجود الشرس الخبيث من جسم الأمة الإسلامية، وخصوصاً في منطقة الكوفة التي تمثل قاعدة من قواعد أهل البيت (عليهم السلام) المهمة.
إذن، فما قام به الإمام السجاد (عليه السلام) من تصفية لهذا الوجود، بعد تلقين هذا الشعار للمختار الثقفي ومتابعته بشكل دقيق للوصول إلى هذا الهدف، كان عملاً سياسياً عظيماً في التأريخ الإسلامي; لأنَّ تصفية مثل هذا الوجود يعني أنَّ القاعدة تبقى قوية وقادرة على التحرك والقيام بوجه الظالمين واتخاذ المواقف لمواجهة طغيانهم الذي كانوا يمارسونه.
وبقيت الكوفة والعراق مركزاً من مراكز الدعوة إلى الحق والعدل والوقوف بوجه الظلمة على مرّ التأريخ الإسلامي; وذلك بسبب العمل العظيم الذي قام به الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تصفية هذا الوجود النحس الشرس الخبيث المتمثل بقتلة الإمام الحسين (عليه السلام).
إذن، فأحد الأبعاد المهمة في شخصية الإمام السجاد (عليه السلام) هو البعد السياسي الثوري المكمل لنهضة أبيه (عليه السلام).
ولذلك نجد أن أهل البيت (عليهم السلام) في خطِّهم الفكري والسياسي، يمثلون نوراً واحداً وموقفاً واحداً وإنْ كانت أشكال مواقفهم وصورها تختلف أحيانا، ولكنها واحدة في مضمونها ومحتواها وروحها ونتائجها وآثارها.
ومن هنا نفهم ما ورد في الأحاديث الشريفة من وصفهم بأنّهم نور واحد وحقيقة واحدة، أو إنَّ قول أحدهم وموقفه هو قول وموقف الآخر.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المهتدين بهداهم والسائرين على منهاجهم وطريقهم، وأن ينفعنا بمواقفهم ودروسهم وآثارهم.
كما نسأله تعالى أن يحفظ لنا هذه الدولة الشريفة المباركة التي تُمثِّل دولة أهل البيت (عليهم السلام) في مواقفها واُسسها وقواعدها وشعاراتها.
كما نسأله تعالى أن يحفظ ولي أمر المسلمين آية الله السيد الخامنئي. كما نسأله أن يتغمد أرواح مراجعنا وعلمائنا الأبرار وخصوصاً إمام الأمة (قدّس سرّه) والشهيد الصدر (قدّس سرّه). وإلى أرواح العلماء والشهداء والصالحين من سلفنا، رحم الله من قرأ الفاتحة قبلها الصلاة على محمد وآل محمد.
منقوووووول